رحمة الله: أوسع من البحر وأرحم من الأم


 ### رحمة الله: نور يضيء ظلمات الحياة

رحمة الله سبحانه وتعالى هي الشعاع الذي ينير لنا الطريق وسط ظلمات الحياة، والملاذ الآمن الذي نلجأ إليه في لحظات الخوف والضعف. إن رحمة الله ليست مجرد صفة من صفاته، بل هي جزء أساسي من العلاقة بين الخالق والمخلوق، جزء لا يمكن أن ينفصل عن الحياة اليومية للبشر، ولا يمكن للبشرية أن تعيش بدونه. 

#### الرحمة في خلق الإنسان

رحمة الله بدأت منذ أن خلق الإنسان من طين وسواه بيده ونفخ فيه من روحه. لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وأمده بالعقل والإرادة والقدرة على التمييز بين الحق والباطل. كل هذه النعم هي من رحمة الله التي منحها للإنسان ليعيش حياة كريمة. يقول الله تعالى في سورة الإسراء: **"ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً"** (الآية 70). هذه الآية تعبر عن التكريم الإلهي الذي هو جزء من رحمة الله الشاملة.

#### رحمة الله في البلاء

البلاء والمحن التي نمر بها في حياتنا ليست خالية من الرحمة. قد يبدو البلاء قاسيًا في الظاهر، لكنه في الحقيقة جزء من خطة الله الرحيمة لتنقية الإنسان وتربيته. الله سبحانه وتعالى يبتلي المؤمن ليختبر صبره ويقوي إيمانه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: **"عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له"**. هذا الحديث يؤكد أن البلاء بحد ذاته يحمل في طياته رحمة، حتى وإن لم ندركها فورًا.

#### رحمة الله في الهداية

من أعظم صور رحمة الله بعباده هي الهداية إلى الصراط المستقيم. الله سبحانه وتعالى لم يتركنا نتخبط في الحياة دون هدى، بل أرسل لنا الرسل والأنبياء ليهدونا إلى طريق الحق. القرآن الكريم، الذي هو كلام الله، هو أيضًا من أعظم دلائل رحمته، إذ يرشدنا إلى ما فيه صلاحنا في الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى في سورة البقرة: **"ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"** (الآية 2). الهداية هي منحة عظيمة ورحمة لا تُقدر بثمن، إذ بدونها قد يضل الإنسان طريقه ويفقد هدف وجوده.

#### رحمة الله في المغفرة

إن أكثر ما يطمئن المؤمن هو معرفته بأن الله غفور رحيم، يغفر الذنوب جميعًا إذا تاب العبد ورجع إليه. الله سبحانه وتعالى يفتح أبواب الرحمة والمغفرة لعباده في كل لحظة. يقول الله تعالى في سورة الفرقان: **"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً"** (الآية 53). هذه الرحمة الواسعة تعني أن الله لا يغلق أبواب التوبة أبدًا، مهما عظمت الذنوب، فكلما عدنا إليه بقلوب صادقة، وجدنا رحمة الله بانتظارنا.

#### رحمة الله في الآخرة

الآخرة هي الموطن الأسمى لرحمة الله، حيث تجتمع كل الرحمة التي أظهرها الله في الدنيا، ويمنحها لعباده المتقين. الجنة هي تجسيد لرحمة الله المطلقة، حيث النعيم المقيم الذي لا ينقطع ولا ينضب. في الجنة، ينعم المؤمنون برحمة الله التي لا توصف، حيث لا مرض ولا حزن ولا هم. يقول الله تعالى في سورة الأحقاف: **"أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون"** (الآية 14). هذا الخلود في النعيم هو أسمى صور الرحمة التي يمكن أن يتخيلها الإنسان.

#### كيف نكون رحيمين؟

كما أن الله رحيم بعباده، فإنه يطلب منا أن نكون رحيمين ببعضنا البعض. الرحمة يجب أن تكون جزءًا من حياتنا اليومية، في تعاملاتنا مع الآخرين، في بيوتنا، في أماكن عملنا، ومع كل من نتعامل معهم. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: **"الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"**. هذه الكلمات تلخص الفكرة الأساسية: الرحمة تجلب الرحمة. إذا أردنا أن نحصل على رحمة الله، فعلينا أن نكون رحماء مع الناس.

#### خاتمة

رحمة الله هي أملنا في هذه الحياة وفي الآخرة. هي المأوى الذي نجد فيه الراحة والسكينة، والنور الذي يضيء لنا الطريق وسط ظلمات الحياة. كلما فكرنا في رحمة الله، زاد إيماننا وقويت علاقتنا به، وشعرنا بالطمأنينة. لذا، فلنجعل من رحمة الله محور حياتنا، ونسعى دائمًا للاقتراب منها، لأن في ذلك سعادة الدنيا والآخرة.



محمد صالح سعيد الصنوي
بواسطة : محمد صالح سعيد الصنوي
<a href="https://alsnwy.blogspot.com/<مدونة محمد صالح سعيد الصنوي /a>
تعليقات