ا
لقرآن الكريم كتاب معجز في ألفاظه وتراكيبه، وكل حرف فيه له دلالته الخاصة التي تحمل معاني دقيقة تؤدي غرضًا معينًا في سياق السورة. ومن بين المباحث التي تلفت الانتباه في القرآن الكريم استخدام الفعل "يسبح" والفعل "سبح" في بدايات السور. فما الفرق بينهما؟ وكيف يمكن أن نعرف أيهما يبدأ به السورة؟
لقرآن الكريم كتاب معجز في ألفاظه وتراكيبه، وكل حرف فيه له دلالته الخاصة التي تحمل معاني دقيقة تؤدي غرضًا معينًا في سياق السورة. ومن بين المباحث التي تلفت الانتباه في القرآن الكريم استخدام الفعل "يسبح" والفعل "سبح" في بدايات السور. فما الفرق بينهما؟ وكيف يمكن أن نعرف أيهما يبدأ به السورة؟
### **الفرق بين "يسبح" و"سبح" في القرآن الكريم**
من المعلوم أن هناك خمس سور تعرف بـ"المُسَبِّحات"، وهي السور التي تبدأ بذكر التسبيح لله تعالى، وهي: الحديد، الحشر، الصف، الجمعة، والتغابن. وفي هذه السور نجد أن بعضها تبدأ بالفعل المضارع "يُسَبِّحُ"، وبعضها تبدأ بالفعل الأمر "سَبِّحْ"، وهذه الصياغات تحمل دلالات مهمة يمكن استنتاجها من السياق البلاغي واللغوي.
1. **"يسبح" بصيغة المضارع**:
- وردت هذه الصيغة في سور مثل الحديد والحشر والصف، حيث جاء الفعل بصيغة المضارع، مثل:
> *"يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ"* (الحديد: 1)
- هذه الصيغة تدل على الاستمرارية والتجدد، أي أن التسبيح لله أمر دائم يحدث في الماضي والحاضر والمستقبل، وهو سُنَّة كونية تتكرر في كل لحظة.
2. **"سبح" بصيغة الأمر**:
- وردت هذه الصيغة في سور مثل الأعلى، حيث جاء الفعل بصيغة الأمر، مثل:
> *"سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى"* (الأعلى: 1)
- هذه الصيغة تدل على طلب فعل التسبيح، أي أنه أمر موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين لكي يقوموا بالتسبيح، مما يشير إلى اهتمام خاص بترسيخ هذا الفعل كعبادة مقصودة يجب أن يؤديها الإنسان.
### **كيف نعرف بأي الفعل تبدأ السورة؟**
يمكن تحديد الصيغة التي يبدأ بها التسبيح في السورة بناءً على السياق العام للسورة والموضوعات التي تتناولها:
- **إذا كانت السورة تتحدث عن الكون ونظامه وعن استمرارية تسبيح الموجودات لله تعالى، فإنها غالبًا تبدأ بـ"يسبح" بصيغة المضارع.**
- **أما إذا كانت السورة فيها خطاب للنبي أو للمؤمنين يأمرهم بالتسبيح والتوجه لله، فإنها غالبًا تبدأ بـ"سبح" بصيغة الأمر.**
### **الخلاصة**
التسبيح في القرآن الكريم ليس مجرد لفظ، بل هو نظام دقيق يعكس دلالات معجزة. اختيار الله تعالى للفعل المضارع أو الأمر في بداية السور ليس عشوائيًا، بل هو جزء من إعجاز القرآن في إظهار استمرارية العبادة ووجوبها في كل حال. وهذا التنوع في الأسلوب القرآني يضيف عمقًا للمعنى ويجعل من اللغة القرآنية منبعًا لفهم دقيق للأوامر الإلهية.
هذا البحث اللغوي والبلاغي يفتح الأفق أمام المزيد من التدبر في القرآن الكريم، حيث يمكن البحث في دلالات الأفعال واستخداماتها المختلفة لفهم الرسائل الإلهية بأبعادها المتعددة. فسبحان من أنزل هذا الكتاب العظيم ببيانه وإعجازه!
