الحمد لله الذي جعل لنا في ديننا القويم منهجًا للحياة السعيدة، وأمرنا بالعدل والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فكان خير معلم ومرشد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي الزاد للآخرة، والحصن الحصين في الدنيا. قال الله تعالى: **"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ"** [الأحزاب: 70-71].
عباد الله، إن الإسلام دين الرحمة والعدل، وقد جاء ليضع لنا القواعد التي تحفظ كرامة الإنسان وحقوقه، وتجعله يعيش حياة كريمة بغض النظر عن ظروفه أو قدراته. ومن أعظم القضايا الإنسانية التي اهتم بها الإسلام قضية رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، تلك الفئة التي قد تواجه صعوبات وتحديات في حياتها اليومية، لكنهم في نظر الإسلام لا يقلون مكانة ولا قيمة عن غيرهم من الأفراد.
أيها المسلمون،
إن من أعظم نعم الله علينا أن جعلنا نتمتع بالصحة والعافية، ومن واجبنا أن نستخدم هذه النعم في مساعدة من حرموا منها، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: **"من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة"** [رواه مسلم]. وإن من أعظم الكرب التي يمكن أن يمر بها الإنسان هو أن يكون عاجزًا عن القيام ببعض حاجاته الأساسية، لذا فإن من الواجب علينا أن نكون عونًا وسندًا لإخواننا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن نيسر لهم السبل ليعيشوا حياة كريمة.
عباد الله،
إن الإسلام جعل ذوي الاحتياجات الخاصة شركاء في المجتمع، وأعطاهم حقوقًا وواجبات مثل سائر الناس. وقد أمر الله عز وجل بالإحسان إليهم ومعاملتهم بالرفق واللين. قال تعالى: **"وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"** [البقرة: 195]. والإحسان إليهم يشمل توفير الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية لهم، وكذلك تهيئة البيئة التي تمكنهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لنا في كيفية التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة. فقد ورد في السيرة النبوية العديد من المواقف التي تظهر رحمته وحنانه عليهم. فقد كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأعمى وأصحاب العاهات بعطف وحنان، وكان يخصهم بالدعاء، ويرشدهم إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة. ومن ذلك ما رواه الترمذي في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: **"جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادعُ الله لي، قال: أُدعُ الله وأصبرِي، فقالت: بل ادعُ الله لي، قال: إن شئت دعوتُ لك، وإن شئتِ صبرتِ ولك الجنة"**.
أيها المسلمون،
إن مسؤولية رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ليست مسؤولية فردية فقط، بل هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمع بأسره. فعلى الأسرة أن تكون الحاضن الأول لهم، وأن تبذل جهدها في توفير البيئة الداعمة والمحبة. وعلى المجتمع أن يسعى لدمجهم في الحياة العامة، وتوفير الفرص التعليمية والتدريبية التي تناسب قدراتهم، ليكونوا أفرادًا فاعلين ومنتجين. كما أن على الدولة أن تضع السياسات والقوانين التي تكفل حقوقهم وتحميهم من التهميش والتمييز.
أيها الأحبة،
إن من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في الإسلام حقهم في التعليم، فقد أكد الإسلام على أهمية العلم والمعرفة للجميع. قال تعالى: **"قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"** [الزمر: 9]. وهذا يشمل الجميع، بما فيهم ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يجب أن نوفر لهم التعليم الذي يناسب قدراتهم واحتياجاتهم. فقد أثبتت التجارب أن هؤلاء الأفراد يمكن أن يحققوا إنجازات كبيرة إذا ما أتيحت لهم الفرص المناسبة.
ومن حقوقهم أيضًا الحق في العمل، حيث يجب على المجتمع أن يوفر لهم فرص العمل المناسبة لقدراتهم، وأن يُعاملوا بالعدل والمساواة في بيئة العمل. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: **"أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"** [رواه ابن ماجه]. وهذا يشمل جميع العمال دون استثناء، بل ينبغي أن نكون أكثر عناية بذوي الاحتياجات الخاصة، نظرًا لما قد يواجهونه من تحديات إضافية.
عباد الله،
إن من واجبنا أن نكون عونًا وسندًا لإخواننا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن نحرص على دمجهم في المجتمع، وجعلهم جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. وينبغي علينا أن نعلم أبنائنا كيفية التعامل معهم برفق واحترام، وأن نزرع فيهم قيم الرحمة والتعاون.
اللهم اجعلنا من الذين يسعون إلى قضاء حوائج الناس، وارزقنا الرحمة والعطف على ذوي الاحتياجات الخاصة. اللهم ارزقنا الحكمة في التعامل معهم، ووفقنا لنكون لهم سندًا وعونًا في الدنيا، وأجرنا من نار جهنم يوم القيامة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.